الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

كان ليلاً – كانَ صُبحًا

كان ليلاً كانَ صُبحًا

إلى - غزَّة الجريحه

كان ظلامًا غير عاديّ!

السّماء تنقصها المصابيح

كي تضيء الأرض من كسل البنادق

والقذائف لم تهروِّل بمحض إرادتها

حين كان الليل دامسًا, غير حالكٍ ولا صامتٍ

كلّ العيون تسلّقت شفقَ الحنين إلى السماء

ولم تحمل رسائل الموتى وهم يتسللون

إلى مخادعهم كي يناموا مثلنا, مرغمين

كان ليلاً واحدًا, تلاهُ صُبحٌ غاضِبٌ

ثم ليلٌ, ثُمَّ جُرحٌ, ثم قتلى!

ربما كان الظلامُ حبيسَ أحلامهم

وهُم يُعِدُّونَ المساءَ شطيرةً لصبيحة يومٍ جديد

وحدها القذيفة عرفَتْ كيف توقظُهم

والرصَّاصُ الآدميُّ يجرجرُ الفوضى وسائدَ

محشوَّة بالانتظار, وتومئ من فوق الفِراشِ

أن انهضوا! الآنَ موعدكم مع الفرحِ الأخيرِ

وكان ليلاً خاليًا من غمامِ الخير

لا مطرٌ حقيقيٌّ يُطفئ الظمأ المشرَّع عند باب البيت

ولا سيارةُ الموتى تُسابقُ الدمعَ المراق على رصيفِ الآخرة

لم يكُن صُبحًا سعيدًا آنذاك, كان فجرًا غاضبًا

كانت (سلسبيلُ) تراقبُ النَّهر المجاورَ في فناء البيت

لم يكُن بالأمس نهرٌ, والضفافُ قذائفٌ لم تنفجر

لمَّا تُفتِّش عَن دُماها كي تُعانقها وترحلَ فجأةً

والصبحُ مُشتعلٌ والليلُ حربُ الآدميين

كان ليلاً فوضويًّا, لا صلاة هناك تعيدُ ترميمَ الجراح

لا وقت للنسيان, أتذكَّر الوطن النبيل يصيحُ مضطربًا

قالت سيِّدة في الثمانين؛ وهي تَطوي آخر أنفاسها

ثوبًا جديدًا للعروبَة

كان ليلاً ثانويًّا, ليلاً احتياطيًّا

حين كان الصبحُ زائرًا عابرًا, صار الليلُ صُبحًا مرحليًّا

البحرُ لم يُبحر ليغسِل الآثام, فقد تمرَّد مثلنا

وتجرَّع النيران, وقذائفَ الهاونِ المعدَّة للنساءِ والأطفال

رضع الدِّماء من ضرعِ السَّماء ثُم ماتَ مُبكِّرًا

كان ليلاً ثائرًا, عاجزًا عن حمل الضحايا على الهُروبِ

سقطَت ملامحُه لتُخبِّئ الأطفالَ في رحِم الدَّمار

والسّماء توسّعت لتحتضن "الأباتشي" وهي تَبعثُ بالدُمّى

لصِغارِ غزَّة, باسمين وقانعينَ

كان ليلاً ساخِرًا جدًا, بهلوان الموتِ لم يسترح

ولم يُفوِّت فرصة التحليقِ فوقَ أشلاءِ الضحايا

كَيف يوقظُهم وهُم نيامٌ ... "يحلمون ويحلمون"!؟

كان ليلاً حالكًا حتى أضاءَ بهِ البارودُ

وقنابل "الفوسفورِ" وصواريخ "السبايك" وبريقُ الدِّماء

على القرميدِ المُدمَّر, وابتسامات (الشهداء) وهم ينزفون

كان صُبحًا واضحًا في ذلك الليلِ البهيم

كان ليلا أبيضًا, واضحًا جدًا لمن وقفوا هناك يراقبون.

لوسائل الإعلام, للقادمينَ على أقدامهم والذاهبين على أذرعهم

لم تصرخ الأمهات لأبنائها وهم يودَّعون الحياة

كنَّ عاجزاتٍ عن التغريد, أو الغناءِ أو الدُّعاء

والسَّماءُ تُباركُ الغاراتَ في كبدِّ الوجود

ثُم تمسحُ الآثامَ في العام الجديد

طوتِ السَّماءُ ملامحها منذُ عام ألفين وثمانية

ولم تنطوِ الجراح

ظلَّ الليلُ مرسومًا في أذهاننا

والصُّراخُ يغربِلُ الأصواتَ ليبقى

يذهبُ جرُحٌ ويعود جرحٌ والجِراحُ سواءٌ

لم يلتفِت سيِّد القومِ المُعطَّرِ بالياسمين

إلى معاناةِ الملايينِ, وتجرَّع خمرَة العيدِ المجيد

وأرسل للسماء تعازيه ودمعتين مُباغتتين

واستمرَّ بتوزيعِ الهدايا – والنذورِ لأصحاب تقرير المصير

لم تكن غزَّة غانية, ولا عاهرة

كانت طفلةً في الثمانين

طفلةً لاجئة إلى لا مُلجِئٍ ولا مُلتجأ

سِوى كلام الله

كبَّلها العالمُ العربيُّ ليرى ملامحها وهي تبكي

وأحاطها الفاشيُّ بفأسهِ الذهبية

والوعود !!

لا وعدَ إلا ما قَد وُعِدنا بهِ

هكذا قال الظلامُ لصاحبِ الجاهِ العظيم

نفضَ الغبارَ عن لحيتهِ زاعمًا أنَّ الدَّمار مجرّد عاصفة

والغبارُ رمال صحراءٍ رءومٍ

لم تلد أمَةً ولا عبدًا ولم تُنجِب الأحلامَ يومًا

وتواصلَ الموتُ على أرصفةِ الوقت

ثُمَ نامَ العالمُ العربيُّ في فوضى المُباحِ

وغير المُباحِ, وظلُّوا نائمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من أنا

صورتي
من مواليد فلسطين بداية شتاء عام 1981 الجليـل الأسفـل مدينة عربيـة تسمى سخنين